سوق الذهب في العراق: لماذا يلامس المثقال حاجز الـ900 ألف وما علاقة "هندسة الدولار"؟
السومرية الفضائية العراقية -
السومرية نيوز – اقتصاد

مع ملامسة سعر مثقال الذهب حاجز الـ 900 ألف دينار عراقي، يبرز التساؤل الأزلي: لماذا يفر الجميع نحو الذهب في كل أزمة عالمية؟ وما الذي يجعل "الورق الأخضر" يهتز أمام "المعدن الأصفر"؟.

الباحث في الشؤون الاستراتيجية والسياسية والأمن الإقليمي، حسين عمران، يقدم قراءة اقتصادية بـ"نكهة استراتيجية"، موضحاً أن الإجابة بسيطة في ظاهرها، لكنها ثقيلة في معناها: "لأن الذهب نادر ومحدود ويمثل ثروة حقيقية، بينما الدولار مجرد ورق قطني محمي بالقوة الأميركية".

لغة الأرقام: مكعب صغير يحكم العالم
يستند عمران إلى تقديرات "مجلس الذهب العالمي"، مشيراً إلى أن إجمالي الذهب المستخرج عبر التاريخ البشري يقارب 208 آلاف طن متري فقط. ويشمل ذلك احتياطيات البنوك، الحلي، والذهب الصناعي.

ويوضح الباحث المفارقة المذهلة: "لو جمعنا كل ذهب البشرية في مكعب واحد، لكان حجمه تقريباً (23×23) متراً فقط؛ أي أنه أصغر من بناية صغيرة". في المقابل، يتجاوز إجمالي الأموال الدولارية بكل أشكالها (ودائع، سندات، حسابات إلكترونية) الـ 53 تريليون دولار، بينما النقد الورقي (Physical Cash) لا يتجاوز 2.3 تريليون دولار.

هذه الأرقام تعني حقيقة صادمة: الذهب الموجود بالعالم كله لا يغطي سوى 4% فقط من قيمة الدولار المتداول عالمياً. فما هو الغطاء للبقية؟ الجواب بحسب عمران: "الباقي ورق محمي بالأساطيل الأميركية، والقواعد العسكرية، والهيمنة المالية لواشطن".

هندسة الدولار: من "بريتون وودز" إلى "صدمة نيكسون"
يشرح عمران أن هيمنة الدولار لم تكن صدفة بل "هندسة" بدأت بعد الحرب العالمية الثانية. ففي عام 1944، وعبر مؤتمر "بريتون وودز"، تعهدت أمريكا بأن كل 35 دولاراً تساوي أونصة ذهب واحدة، ليصبح الدولار هو العملة المرجعية المغطاة بالذهب.

لكن "قواعد اللعبة" تغيرت جذرياً في عام 1971، حين فجّر الرئيس الأميركي ريتشارد نيسكون مفاجأة "فك الارتباط بالذهب". ويصف عمران هذه اللحظة بأسلوبه الخاص: "نيكسون قفص على العالم وقال لهم: لا يوجد غطاء ذهب بعد اليوم، الدولار يخضع للعرض والطلب فقط". ورغم الصدمة، لم يحتجّ أحد؛ لأن الاحتجاج يعني تحول أرصدة الدول الدولارية إلى "ورق بلا قيمة" في لحظة واحدة.

المعادلة الثابتة: "القوة" مقابل "القيمة"
يختتم الباحث حسين عمران رؤيته بالوقوف عند الجملة الشهيرة لنيكسون: "يجب أن نلعب اللعبة بالطريقة التي صممناها بها.. وعلى الآخرين أن يلعبوا بالطريقة نفسها".

ومنذ ذلك اليوم، بقيت التجارة العالمية والنفط رهينة النفوذ الأميركي لا الغطاء الذهبي. لذا، وفي كل مرة تهتز فيها الثقة بالقوة الأميركية، تهرب المصارف وصناديق الاستثمار فوراً من "الورق" لتعود إلى "الذهب".

والخلاصة التي يتركها عمران هي جوهر الصراع المالي العالمي: "الدولار قوي بالقوة.. بينما الذهب قوي بالقيمة".



إقرأ المزيد