حليب الأطفال في مصر: أعباء من الأسعار والنقص
العربي الجديد -

لا تتعامل الحكومة المصرية بجدية مع نقص حليب الأطفال (فضل داود/Getty)

تجوب فاطمة رضوان شوارع الإسكندرية شمالي مصر، وتتنقل من ميدان واسع إلى أزقة مظلمة بحثاً عن عبوة واحدة من "لبن الأطفال" من أجل سدّ جوع ابنيها التوأم اللذين لم يتوقفا عن البكاء منذ أيام بسبب الجوع. "ناقص وغير متوفر، ولن تجديه مهما بحثت". كلمات يقولها الصيدلي لفاطمة، فتسكن كالرصاصة في قلبها، لكن شعلة الأمل لا تنطفئ داخلها، وتواصل البحث، فتتوقف أمام صيدلية أخرى، لتتكرر الخيبة.
سبق أن زارت فاطمة طبيباً أبلغها أن حالتها الصحية المتدهورة تحرمها من تقديم رضاعة طبيعية لطفليها، ثم قصدت جمعية خيرية تساعد أمهات وأطفالاً في سن الرضاعة وطلبت توفير حليب صناعي، لكن المديرة ردت: "لا نستطيع تأمين هذا النوع حالياً، والأفضل الحصول على بديل يحدده الطبيب".
ويقول تامر رؤوف، وهو أب لطفلة عمرها 10 أشهر، لـ"العربي الجديد": "يجب أن تتعامل الحكومة بجدية مع المشكلة، إذ يجب ألا يعاني أي طفل من نقص في الحليب الضروري لتطوره الصحي، خاصة أطفال العائلات ذات الدخل المحدود التي تعاني أصلاً من الغلاء غير المسبوق".
يتابع: "كنت أشتري قبل أسابيع عبوة الحليب بسعر 203 جنيهات (4.21 دولارات) من الصيدليات، ما مثل عبئاً كبيراً علي، ثم ارتفع السعر فجأة إلى 367 جنيهاً (7.6 دولارات)، علماً أنني أحتاج إلى 5 علب لابنتي شهرياً، ما يمثل نسبة كبيرة من راتبي الضئيل".
ويقول أب آخر رفض كشف اسمه لـ"العربي الجديد": "أنا موظف حكومي، ويكلفني الحليب الصناعي لطفلتي 1800 جنيه (37.4 دولاراً). وأخيراً حصلت على عبوتين من وزارة الصحة، واقترضت من أقارب وأصحاب لتأمين غذاء ابنتي، لكن عبوات اللبن مرتفعة الثمن أصبحت ناقصة، وغير موجودة في الأسواق".
من جهتها، تقول دينا بركة لـ"العربي الجديد": "شعرت بألم كبير من عدم قدرتي على توفير حليب الأطفال الذي حدده الطبيب لطفلتي بعمر شهرين، بسبب السعر المرتفع أو عدم توافره في الصيدليات. يجب ألا يمنع الفقر أو ضيق الحال طفلتي من حق الحصول على تغذية صحية مناسبة. يجب أن تعمل المؤسسات والحكومات على توفير حلول مستدامة للمشكلة".
ويؤكد الصيدلي محمد عادل، في حديثه لـ"العربي الجديد"، معاناة أسر كثيرة من نقص كبير في مختلف أنواع حليب الأطفال المصنّع، وارتفاع أسعارها إذا وُجدت. ويقول: "يعاني السوق من غياب الشفافية ما يؤدي إلى نقص كبير في الأدوية وحليب الأطفال، وذلك رغم إعلان الحكومة انتهاء أزمة نقص العملة الصعبة وتوفرها في البنوك، والإفراج عن بضائع محجوزة في الجمارك".

الصورة

حليب الأطفال غير متوفر في صيدليات مصر (خالد دسوقي/فرانس برس)

ويتحدث محمد فؤاد، رئيس جمعية "الحق في الدواء"، لـ"العربي الجديد"، عن أن "سوق حليب الأطفال كبير جداً، ويخضع لممارسات احتكار من عدد محدود من شركات القطاع الخاص التي تسيطر على عمليات استيراد الألبان الصناعية. ويناهز عدد المواليد في مصر 2.5 مليون، ويحتاج عدد كبير منهم  إلى حليب صناعي، ويقدّر الاستهلاك السنوي لحليب الأطفال بما بين 50 و55 مليون عبوة ".
ويشير إلى أن "حليب الأطفال المستوردة لا يخضع  لتسعيرة بيع إجبارية في الصيدليات، كما حال الأدوية، ما يدفع الشركات الخاصة إلى زيادة أسعارها بنسبة كبيرة وصولاً إلى أكثر من 200 في المائة خلال عام".
ويطالب بتدخل الدولة لتبني مشروع بناء مصنع لإنتاج حليب الأطفال، "ليس لخدمة مصر فقط بل دول في أفريقيا تتحكم فيها دول لأسباب تجارية وسياسية مثل إسرائيل وإيران".
بدوره، يقول الدكتور علي عوف، رئيس شعبة الأدوية في اتحاد الغرف التجارية، لـ"العربي الجديد"، إن "الأزمة سببها حاجة السوق المصري إلى 50 مليون علبة حليب أطفال سنوياً، بينما يتوفر 25 مليون علبة سنوياً فقط لصالح وزارة الصحة، والتي لا تباع في الصيدليات. وهكذا تستورد 25 مليون علبة من الخارج، ولا تخضع لتسعير إجباري، فتباع في السوق السوداء لتحقيق أرباح كبيرة. ولا يُحاسب أحد الصيدليات على ذلك. أيضاً يوصي الأطباء بالأنواع الأشهر، في حين ترفض العائلات شراء بدائل".

صحة

التحديثات الحية

في المقابل، يؤكد مصدر مسؤول في وزارة الصحة بمحافظة الإسكندرية اشترط عدم ذكر اسمه، لـ"العربي الجديد"، توفر حليب الأطفال المدعومة في الوحدات الصحية، وصرفها لجميع الفئات المستحقة بأسعار شبه مجانية تتراوح بين 5 جنيهات (10 سنتات) و26 جنيهاً (54 سنتاً). ويقول: "لا تعاني أي صيدلية من عجز، كما لا تضع وزارة الصحة شروطاً تعجيزية للأمهات اللواتي يخضعن لكشف طبي من لجان التقييم التي تتواجد في الوحدات الصحية من أجل تحديد الموانع الصحية للرضاعة الطبيعية".



إقرأ المزيد