الزمان - 12/27/2025 8:40:16 PM - GMT (+3 )
حاتم جسام
تعد المنافسة الشريفة احدى الركائز الاساسية لتقدم المجتمعات وازدهارها، اذ تدفع الافراد والمؤسسات الى بذل اقصى طاقاتهم والانتقال من دائرة الغيرة والكراهية والحسد الى فضاءات العطاء واستباق الخيرات، وتزداد اهمية هذه المنافسة حين تكون بين العقول في مجالات المعرفة والابداع اذ يكون الهدف حينها هو الارتقاء بالمجتمع وتحقيق رفاهيته، غير ان هذا المشهد الايجابي كثيرا ماتشوبه ممارسات دخيلة تتجلى في سرقة الجهود التي تقوّض جوهر المنافسة وتفرغها من قيمتها الاخلاقية.
لا شك أن تحقيق النجاح وكسب المنافسة يتطلبان جهداً كبيراً ووقتاً طويلاً ،ناهيك عن وعورة الطريق ومشقته، إلا انه هناك من يحاول اختصار الطريق لا بالابتكار أو الإبداع بل بالكذب والتزوير ومصادرة جهد الآخرين ونسبه إلى نفسه بلا وازع ضمير ولا اخلاق.
إنهم “سرَّاق الجهود” يا سادة الذين اصبحوا ظاهرة تكشف عن اختلال في القيم الإنسانية والمهنية، وتطرح تساؤلاتٍ حادة وجادة حول منظومة الأخلاق والإنجازات الحقيقية.
ولا تقتصر سرقة الجهود على نسخ نص أو فكرة فحسب بل تمتد إلى سرقة الوقت والجهد الذهني والبدني الذي بذله شخصٌ ما لينتج عملاً يستفيد منه المجتمع. وقد يظهر ذلك في الوسط الأكاديمي عبر سرقة الأبحاث العلمية والجهود الانسانية أو في الوسط الفني والثقافي بنسب أعمال أدبية أو فنية أو حتى في الوسط الوظيفي عبر تقديم أفكار زملاء كمبادرات شخصية وتحويل جهودهم ونجاحهم في بناء مرافق المؤسسة وتطويرها اليه بنقرة ادارية وخفة يدٍ فاقت خفة يد النشالين.
الخطير في الأمر أن “سارق الجهد” لا يسرق الحروف أو الصور فقط، بل يسرق فرص الآخرين في النجاح ويشوّه ثقافة الجد والاجتهاد والاخلاص في العمل ويُربك معايير التقييم، وغالباً ما يكون الضحية الأكبر هو المجتمع نفسه الذي يخسر التنافس الشريف ويُكافئ الوهم بدلاً من الإنجاز الحقيقي.
ويرى مراقبون ومختصون أن هذه الظاهرة تتفاقم في ظل ضعف الرقابة وغياب الوعي بأخلاقيات الملكية الفكرية، فضلاً عن أن بعض البيئات قد تشجع – عن غير قصد – على الانتحال عندما تهمش النوعية والجودة لصالح الكمية أو عندما ترفع شعار “المهم النتيجة” بغض النظر عن الوسيلة وهذا ما نراه من كثرة الورش والندوات غير المدروسة التي اصبحت روتيناً يومياً في المؤسسات والدوائر لا يسمن ولا يغني من جوع.
ومع ذلك سيبقى الجهد الحقيقي هو الأساس المتين لأي تقدم حقيقي وأن مكافحة سرقة الجهود تبدأ من التوعية مروراً بتشديد العقوبات الرادعة وانتهاءً بترسيخ ثقافة النزاهة والشفافية، فالفكرة المسروقة ليست مجرد كلمات منسوخة بل هي إهدار لإنسانيتها الأصيلة وقيمتها التي صنعها مُبدعها او مبدعوها بالعقل المفكر وبعرق الجبين وسهر الأعين واجتهاد جهيد وصدق مع النفس والمجتمع ،وهنا نطرح تساؤلاً : هل اصبحنا نعيش في زمان يكون فيه “الظهور” أهم من “البذل والعطاء”؟ وماذا سيخسر المجتمع إذا تحول الجهد الخفي لانسانٍ مِعطاء إلى سلعة مسروقة من قبل سُرّاق الجهود؟!!
إقرأ المزيد


