أطول ليالي السنة.. كرمانشاه تستقبل "يلدا" بلا فرح (صور)
هذا اليوم -

شفق نيوز- ترجمة خاصة

قبيل ليلة يلدا (ليلة 20-21 كانون الأول/ديسمبر وهي أطول ليلة فيالعام)، تبدو أسواق كرمانشاه ذات الاغلبية الكوردية في غرب ايران، مزدحمة لكنهابلا روح، حيث حوّل الغلاء المواطنين من مشترين إلى متفرجين، وجعل أطول ليالي السنةليلة تنازل عن التجمعات العائلية.

وأفاد تقرير لوكالة مهر الايرانية للأنباء، وترجمته وكالة شفق نيوز،ان خريف كرمانشاه ذو الألف لون، وهو يلفظ أنفاسه الأخيرة، فيما تتسلل برودة الشتاءمن بين جبال "براو" و"بيستون" إلى أزقة المدينة. وفي التقويمالعريق لأرض الأبطال، كانت ليلة يلدا، أو "ليلة چلە – الأربعين"، رمزادائما لدفء التكاتف، وتلاوة الشاهنامة على ألسنة الكبار، وعبق الرمان ورائحة خبزالأرز الزكية. لكن هذا العام، لم تعد أطول ليالي السنة لدى كثير من مواطنيكرمانشاه مقرونة بفرحة اللمّة، بل ارتبطت بهمّ لقمة العيش والخوف من التكاليفالباهظة.

يلدا التي كان يفترض أن تكون مناسبة لتبديد الأحزان وتجديد اللقاءات،تحوّلت اليوم تحت الظل الثقيل للتضخم إلى "يلدا بالملايين"، فمرّرالغلاء طعم التقاليد العريقة الحلو وجعله لاذعا.

جولة في سوق كرمانشاه التقليدي وأسواق الخضار والفواكه تظهر أنه رغمامتلاء واجهات المحال بالمكسّرات الزاهية والبطيخ المخزّن، فإن جيوب الناس لاتتناسب إطلاقا مع بطاقات الأسعار المعلّقة على هذه السلع. الغلاء المنفلت، الذي لميعد ضيفا غير مرغوب فيه بل أصبح سيّد موائد الناس، أدى إلى التضحية بجوهر هذاالطقس الوطني، أي "صلة الرحم" واجتماع العائلات، على مذبح الأزماتالاقتصادية.

وفي محافظة تعاني أصلا من معدلات بطالة مقلقة، يصبح الحديث عن شراءالفستق واللوز، أو حتى إعداد ضيافة بسيطة من الفاكهة، مزحة مرّة لكثير من أربابالأسر، لا تزيدهم إلا ضغطا نفسيا.

نظرة إلى النفقات الجارية تبيّن أن إقامة احتفال بسيط لعائلة مكوّنةمن أربعة أفراد في كرمانشاه لم تعد ممكنة بأرقام اعتيادية. فإذا أراد عامل بسيط أوموظف أن يعدّ مائدة لزوجته وطفليه تحتوي على الحد الأدنى من رموز يلدا، فإنهيواجه، بحساب سريع، تحديا صادما. فشراء كيلوغرام واحد فقط من المكسّرات المشكلة(التي تحوّلت هذه الأيام من سلعة غذائية إلى كمالية)، وعدة كيلوغرامات من الرمانوالبطيخ، إلى جانب إعداد عشاء بسيط، يتجاوز بسهولة حاجز المليونين إلى ثلاثةملايين تومان. وهذا المبلغ، بالنسبة لعائلة تدير إيجار السكن وأقساط القروضوتكاليف دراسة الأبناء براتب خاضع لقانون العمل، يعني إنفاق نصف الدخل الشهري منأجل بضع ساعات من اللمّة.

هذه الحسابات القاسية هي ما رفع الجدران بين البيوت، وباعد المسافاتالعاطفية بين الأقارب. فآباء وأمهات كرمانشاه الذين كانت بيوتهم مفتوحة يوما لكلالأقارب، صاروا اليوم، خوفا من حرج "المائدة الخالية"، يخفّضون أضواءمنازلهم ويختلقون الأعذار للتهرب من الاستضافة. الغلاء هو السبب الرئيس لهذاالانعزال الطوعي. فعندما يعادل سعر كيلوغرام واحد من الحلوى أو فاكهة الموسم أجريوم كامل لعامل موسمي، يصبح من الطبيعي أن تنزلق الطقوس الوطنية، التي تقوم روحها على"الاجتماع"، نحو "الفردية" ثم إلى النسيان.

في هذا السياق، تبدو أسواق كرمانشاه مزدحمة، لكن هذا الازدحام أقربإلى "المشاهدة" منه إلى الشراء. مواطنون يراقبون الأسعار، يهزون رؤوسهم، ثم يعودونإلى بيوتهم بأيد أكثر فراغا من العام الماضي. يلدا هذا العام، لعائلة كرمانشاهيةمن أربعة أفراد، اختبار قاس للصمود في وجه التضخم، اختبار يبقى فيه الحفاظ علىالكرامة أمام الأبناء أصعب أجزائه. ويبدو أنه ما لم تتخذ إجراءات جذرية لكبحالأسعار وزيادة القدرة الشرائية، فإن يلدا السنوات المقبلة ستبقى أسيرة الحنين إلىضحكات بلا هموم ولمّات صاخبة من الماضي، لتغدو أطول ليالي السنة مرادفا لإطالةمعاناة المعيشة.

ولملامسة الواقع المرّ هذه الأيام، يكفي المرور في الشوارع الرئيسةلأسواق كرمانشاه، من "تاريكه بازار" إلى أسواق الخضار والفواكه في"آزادي". الضجيج حاضر، لكن من دون حماسة الشراء الكبيرة التي ميّزتالسنوات الماضية. الأيدي في الجيوب، والعيون تنزلق فقط على بطاقات الأسعار.

الحاج "مراد"، أحد باعة المكسّرات القدامى في سوق كرمانشاه،وقد غزا الشيب وجهه، ينظر بحسرة إلى أكياس الفستق واللوز في متجره، ويقول: صدقوني،نحن أيضا غير راضين عن هذا الغلاء. عندما ترتفع الأسعار لا تزيد أرباحنا، بليتناقص زبائننا. في الأعوام الماضية كان الناس يشترون المكسّرات بالكيلوغرامات فيمثل هذه الأيام، أما هذا العام فقد وصل الحال إلى أن يطلب الزبون 100 أو 200 غرامفقط.

ويضيف، مشيرا إلى سعر الفستق الذي بلغ عنان السماء ووصل إلى مليونونصف المليون تومان للكيلوغرام: "كثيرون يسألون عن السعر ثم يمضون. التاجرالذي لا زبائن لديه، متجره مطفأ، حتى لو كانت واجهته مضيئة".

غير بعيد، أمام محل فواكه، كان "حسيني"، أب لطفلين، يفرزالرمان. وحين سئل عن استعدادات ليلة يلدا قال: "أي استعدادات؟ عائلة من أربعةأفراد إذا أرادت مجرد عشاء عادي ثم قليل من التسالي، فعليها أن تدفع أجر أسبوعكامل لعامل. لذلك شطبنا يلدا العائلية وتجمع عدة أسر، وسنقضي هذه الليلة في بيتنافقط". 

ويتابع هذا المواطن الكرمانشاهي: "في السابق كنا نجتمع في بيتالكبار، وكل شخص يجلب شيئا فتغتني المائدة. أما الآن، ومع أسعار الدجاج والأرزوالفاكهة، يخجل المرء من الذهاب بيد فارغة، ومن جهة أخرى لا يقدر المضيف على إطعامجمع كبير. الغلاء جعل كل شخص ينكفئ على نفسه ويتخلى عن صلة الرحم".

وتظهر المعاينات الميدانية في أسواق كرمانشاه أن تكلفة حزمة بسيطة جدا(تشمل عشاء، كمية قليلة من المكسّرات الرخيصة، فاكهة وتسالي) لعائلة من أربعةأفراد هي كما يلي، ما يوضح أن مصطلح "يلدا بالملايين" ليس مبالغة بلحقيقة ملموسة.

فإذا أرادت العائلة عشاء "زرشك بلو مع الدجاج" (وهو طبقشائع في الولائم)، إلى جانب الاكتفاء بشراء البطيخ والرمان وكمية قليلة منالمكسّرات، فإن الفاتورة النهائية ستكون صادمة: العشاء: نحو مليون تومان،المكسّرات (بالحد الأدنى والاقتصادي): نحو مليون تومان، البطيخ والرمان: ما لا يقلعن مليون تومان، وبذلك يصل مجموع تكلفة يلدا لعائلة من أربعة أفراد إلى نحو ثلاثةملايين تومان.

في ظل الغلاء المنفلت الذي يخنق السوق، يبرز أكثر من أي وقت مضى إغفالالاستفادة من الإمكانات المحلية الضخمة لمحافظة كرمانشاه، بوصفها أحد الأقطابالرئيسة للزراعة والمنتجات البستانية في البلاد. فالحلقة المفقودة في هذا السوقالمضطرب هي سطوة السماسرة الذين يضاعفون الفارق بين "المزرعة والمائدة"لمصلحتهم. ومن هنا، تبرز ضرورة أن ينتقل المعنيون من الرقابات الشكلية والتفتيشاتغير المجدية إلى استراتيجية تقوم على إحياء وتقوية وتوسيع "أسواق القرى"،وإقامة مراكز عرض للبيع المباشر في مختلف مناطق مدينة كرمانشاه الكبرى، وتوفيرمنصة للبيع دون وسطاء لمنتجات المحافظة عالية الجودة—من رمان باوه إلى جوزأورامانات والحلويات المحلية بأسعار معدّلة وخصومات خاصة، حل عملي ومتاح، يخففالعبء عن أرباب الأسر ويدعم المنتج المحلي، ولا يسمح بانطفاء دفء أطول ليالي السنةتحت وطأة الأسعار وسوء الإدارة.

ونقل التقرير عن مدير التعاون الريفي في محافظة كرمانشاه، إيرج صفائي،قوله: "من أجل تأمين فاكهة جيدة وبأسعار مناسبة لليلة يلدا، تم توفير كمياتكافية من التفاح والبرتقال (تامسون)، وبدأ توزيعها منذ يوم أمس في سوق القرىبمدينة كرمانشاه وبعض أسواق القرى في الأقضية".

وأضاف أن هذه الخطوة تهدف إلى ضبط السوق ومنع ارتفاع الأسعار فيالأيام التي يزداد فيها الطلب على الفاكهة، موضحا أن برتقال تامسون جلب من محافظةمازندران، والتفاح من قضاء أشنويه في أذربيجان الغربية.

وأكد صفائي أن توزيع هذه الفواكه يتم تحت إشراف مفتشي «بسيج الأصناف»،وتعرض السلع الخاصة بليلة يلدا بأسعار رسمية معتمدة ضمن سياسة تنظيم السوق، مشيراإلى أن أسواق القرى تؤدي دورا مهما في التوزيع المباشر ودعم المستهلكين، وأن هذاالنهج سيستمر في مناسبات مختلفة.

معرض البيع المباشر لسلع ليلة يلدا في كرمانشاه

كما نقل التقرير عن معاون الشؤون الإدارية والتنفيذية لمعرض كرمانشاهالدولي، حامد وفابور، قوله: "بدأ معرض البيع المباشر للسلع الخاصة بليلة يلدافي الموقع الدائم للمعارض الدولية بكرمانشاه، في نهاية متنزه شاهد، وسيستمر لمدةخمسة أيام".

وأضاف أن ساعات الزيارة يوميا من الساعة 15 حتى 21، ويمكن للمواطنينخلال هذه الفترة التوجه لشراء احتياجاتهم.

وأوضح أن المعرض يضم أنواع المكسّرات والحلويات والشوكولاتة والموادالغذائية والهدايا، مع توفير تنوع مناسب من السلع الأكثر استهلاكا في ليلة يلدا.

وبيّن أن المعرض يضم 86 جناحا، خصص منها 50 جناحا للحلوياتوالشوكولاتة والمكسّرات والفواكه المجففة، و36 جناحا لعرض مختلف المنتجات الغذائية.

وأشار إلى مشاركة عارضين من محافظات كرمانشاه وطهران وأصفهان وهمدانوكوردستان وأذربيجان الشرقية، ما أسهم في تنوع المنتجات وزيادة خيارات المواطنين.

وأكد أن جميع السلع المعروضة تباع بخصم 10%، لتمكين المواطنين من شراءمستلزمات يلدا بأسعار أنسب، موضحا أن الهدف من إقامة المعرض هو تأمين السلع دونوسطاء وبأسعار مناسبة، مع توفير منتجات جيدة تضمن شراء اقتصاديا وآمنا.

ورغم أن إقامة معارض البيع المباشر وتوزيع الفاكهة بأسعار تنظيمية تعدخطوات إيجابية لتخفيف أعباء المعيشة، فإن واقع السوق وشكاوى المواطنين تظهر أن هذهالمسكنات المؤقتة والمحدودة لا تكفي لعلاج الألم العميق للغلاء في مدينة كرمانشاه.

اليوم، يطالب الرأي العام بحقّ الجهات الاقتصادية المعنية بالانتقالمن الإجراءات الظرفية إلى "تثبيت وتوسيع وديمومة"، نماذج مثل"أسواق القرى" ومعارض البيع المباشر في جميع المناطق الحضرية؛ إذ إناللامركزية في التوزيع وإنشاء سلسلة مباشرة بين المنتج المحلي والمستهلك هو الحلالعملي الوحيد لإزالة الوسطاء الجشعين وكسر فقاعات الأسعار.

ومن المنتظر أن تبسط الأجهزة الرقابية مظلتها على السوق بشكل مستمروحازم، لا شكليا في أيام المناسبات فقط، حتى لا تسحق التقاليد العريقة - التي تشكلنسيج الأسرة الكرمانشاهي الثقافي والعاطفي - تحت عجلات التضخم.



إقرأ المزيد