حياة‭ ‬تلزيك
الزمان -

فاتح‭ ‬عبد‭ ‬السلام

أغلبية‭ ‬المباني‭ ‬في‭ ‬العراق‭ ‬قديمة‭ ‬ومطوية‭ ‬على‭ ‬تهالك‭ ‬موقوت،‭ ‬والجديد‭ ‬منها‭ ‬جرى‭ ‬بناؤه‭ ‬في‭ ‬فترة‭ ‬الفوضى‭ ‬والعشوائيات‭ ‬والفرهود‭ ‬المسيّس‭ ‬المستحدث‭ ‬بعد‭ ‬الاحتلال‭ ‬الامريكي‭ ‬في‭ ‬الاستيلاء‭ ‬على‭ ‬الأراضي‭ ‬العامة‭ ‬او‭ ‬المتروكة‭ ‬وانشاء‭ ‬مبان‭ ‬فوقها‭ ‬للسكن‭ ‬او‭ ‬العمل،‭ ‬ومعظمها‭ ‬لا‭ ‬يتوافر‭ ‬على‭ ‬الشروط‭ ‬الحقيقية‭ ‬الواجبة‭ ‬لسلامة‭ ‬الأبنية‭.‬

‭ ‬وكانت‭ ‬المباني‭ ‬في‭ ‬تركيا‭ ‬أفضل‭ ‬حالاً‭ ‬من‭ ‬مثيلاتها‭ ‬في‭ ‬الجوار‭ ‬لكنها‭ ‬لم‭ ‬تصمد‭ ‬في‭ ‬الزلزال‭ ‬الذي‭ ‬امتد‭ ‬الى‭ ‬سوريا‭ ‬أيضاً‭ ‬في‭ ‬شباط‭ ‬2023‭ ‬وأودى‭ ‬بحياة‭ ‬واحد‭ ‬وخمسين‭ ‬ألف‭ ‬نسمة‭ ‬وإبادة‭ ‬أحياء‭ ‬كاملة‭.‬

اليوم‭ ‬نرى‭ ‬انهيار‭ ‬عمارتين‭ ‬قديمتين‭ ‬ومقتل‭ ‬اثنين‭ ‬عشرين‭ ‬من‭ ‬السكان‭ ‬في‭ ‬مدينة‭ ‬“فاس”‭ ‬المغربية‭. ‬وفي‭ ‬مصر‭ ‬تتكرر‭ ‬انهيارات‭ ‬العمارات‭ ‬قبل‭ ‬التشديد‭ ‬الأخير‭ ‬في‭ ‬شروط‭ ‬السلامة‭ ‬ومحاربة‭ ‬الغش‭ ‬في‭ ‬مواد‭ ‬المقاولات‭.‬

غير‭ ‬انّ‭ ‬المباني‭ ‬في‭ ‬العراق‭ ‬لا‭ ‬تزال‭ ‬على‭ ‬حالها‭ ‬لاسيما‭ ‬في‭ ‬الاحياء‭ ‬القديمة‭ ‬أو‭ ‬في‭ ‬مناطق‭ ‬الفقراء،‭ ‬لا‭ ‬توجد‭ ‬مراجعة‭ ‬حقيقية‭ ‬لمرحلة‭ ‬‮«‬التلزيك”‭ ‬والبناء‭ ‬الفوضوي،‭ ‬وهذا‭ ‬يشبه‭ ‬القنبلة‭ ‬الموقوتة‭ ‬التي‭ ‬قد‭ ‬تودي‭ ‬بحياة‭ ‬الناس‭ ‬في‭ ‬خلال‭ ‬أي‭ ‬حدث‭ ‬طبيعي‭ ‬طارىء،‭ ‬وربّما‭ ‬يكون‭ ‬بسبب‭ ‬فيضانات‭ ‬وليس‭ ‬بالضرورة‭ ‬زلزالاً‭.‬

قبل‭ ‬يومين‭ ‬انقطعت‭ ‬اكثر‭ ‬من‭ ‬مدينة‭ ‬كبيرة‭ ‬عن‭ ‬العاصمة‭ ‬بغداد‭ ‬بسبب‭ ‬سيول‭ ‬الامطار،‭ ‬هذا‭ ‬لا‭ ‬يحدث‭ ‬في‭ ‬دول‭ ‬تشهد‭ ‬امطاراً‭ ‬غزيرة‭ ‬على‭ ‬مدار‭ ‬السنة،‭ ‬فلماذا‭ ‬نبقى‭ ‬على‭ ‬هذا‭ ‬الحال‭ ‬من‭ ‬البنية‭ ‬التحتية‭ ‬المتهالكة؟

‭ ‬لا‭ ‬يكفي‭ ‬ان‭ ‬تكون‭ ‬هناك‭ ‬عندنا‭ ‬ابنية‭ ‬وجسور‭ ‬في‭ ‬مناطق‭ ‬معينة‭ ‬ببغداد‭ ‬أو‭ ‬بعض‭ ‬المدن‭ ‬في‭ ‬حين‭ ‬انّ‭ ‬أغلبية‭ ‬المناطق‭ ‬غير‭ ‬متوافرة‭ ‬على‭ ‬حماية‭ ‬الحياة‭ ‬المدنية‭ ‬كما‭ ‬ينبغي‭ ‬في‭ ‬أوقات‭ ‬الازمات‭ ‬والكوارث‭ ‬الطبيعية‭.‬

‭ ‬يروي‭ ‬لي‭ ‬أحد‭ ‬الأصدقاء‭ ‬انّ‭ ‬بلدته‭ ‬الصغيرة‭ ‬على‭ ‬النهر‭ ‬لا‭ ‬تملك‭ ‬زورقاً‭ ‬واحداً‭ ‬للانتقال‭ ‬الى‭ ‬الضفة‭ ‬الأخرى‭ ‬اذا‭ ‬حدثت‭ ‬انهيارات‭ ‬تربة‭ ‬في‭ ‬فيضانات‭ ‬تضرب‭ ‬الجرف‭. ‬

مَن‭ ‬المسؤول‭ ‬عن‭ ‬تخطيط‭ ‬المدن،‭ ‬ومَن‭ ‬المسؤول‭ ‬عن‭ ‬الخطط‭ ‬الأخرى‭ ‬الاوسع‭ ‬لبناء‭ ‬الاحياء‭ ‬الجديدة‭ ‬وتوسيع‭ ‬خدماتها‭. ‬وهل‭ ‬يجب‭ ‬أن‭ ‬نكتفي‭ ‬برسم‭ ‬الخطة‭ ‬في‭ ‬التعامل‭ ‬مع‭ ‬الجديد‭ ‬من‭ ‬الأبنية‭ ‬في‭ ‬حين‭ ‬ان‭ ‬العمارات‭ ‬والمنازل‭ ‬القديمة‭ ‬هي‭ ‬الأكثر‭ ‬تعرضا‭ ‬للتهديد‭ ‬في‭ ‬أيام‭ ‬الكوارث‭.‬

لا‭ ‬يمكن‭ ‬أن‭ ‬نبقى‭ ‬ننتظر‭ ‬وقوع‭ ‬الكوارث‭ ‬الطبيعية‭ ‬ثمّ‭ ‬نهرع‭ ‬الى‭ ‬إجراءات‭ ‬الطوارئ‭ ‬ونطلب‭ ‬الإغاثة؟‭ ‬

من‭ ‬حق‭ ‬العراقيين‭ ‬أن‭ ‬يعرفوا‭ ‬مَن‭ ‬الذي‭ ‬يسهر‭ ‬ويخطط‭ ‬لحفظ‭ ‬حياتهم‭ ‬وهم‭ ‬نائمون‭ ‬في‭ ‬بيوتهم،‭ ‬فالأمن‭ ‬ليس‭ ‬له‭ ‬شكل‭ ‬واحد‭ ‬كما‭ ‬يفهمونه‭.‬

البلد‭ ‬يحتاج‭ ‬الى‭ ‬وزارة‭ ‬الكوارث‭ ‬الطبيعية،‭ ‬وإذا‭ ‬لم‭ ‬نتمكن‭ ‬من‭ ‬انجاز‭ ‬ذلك،‭ ‬فعليهم‭ ‬أن‭ ‬يكونوا‭ ‬مهيئين‭ ‬لجعل‭ ‬كلّ‭ ‬الوزارات‭ ‬في‭ ‬حالة‭ ‬التأهب‭ ‬لأيام‭ ‬الكوارث‭. ‬وهذا‭ ‬أمر‭ ‬مستبعد‭ ‬في‭ ‬المنظور‭ ‬من‭ ‬أوضاع‭ ‬البلد‭. ‬

fatihabdulsalam@hotmail.com

رئيس‭ ‬التحرير‭-‬الطبعة‭ ‬الدولية



إقرأ المزيد